فصل: قال الشوكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} يعني واذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل فرفعناه فوق بني إسرائيل كأنه ظلة يعني جعلناه فوقهم كالظلة والظلة كل ما علا الإنسان كالسقف ونحوه {وظنوا} أي علموا وأيقنوا {أنه واقع بهم} يعني الجبل {خذوا} يعني وقلنا لهم خذوا وإضمار القول كثير في القرآن وكلام العرب {ما آتيناكم} يعني التوراة {بقوة} يعني بجد واجتهاد {واذكروا ما فيه} يعني واعملوا بما فيه من الأحكام {لعلكم تتقون} قال أصحاب الأخبار: إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لما فيها من التكاليف الشاقة أمر الله جبريل فرفع جبلًا عظيمًا حتى صار على رؤوسهم كالظلة فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين فسجد كل واحد منهم على خده وحاجبه الأيسر وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفًا أن يسقط عليه ولذلك لا تسجد اليهود إلا على وجوههم الأيسر. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم} أي جذبنا الجبل بشدة و{فوقهم} حال مقدرة والعامل فيها محذوف تقديره كائنًا فوقهم إذ كانت حالة النتق لم تقارن الفوقية لكنه صار فوقهم، وقال الحوفي وأبو البقاء: {فوقهم} ظرف لنتقنا ولا يمكن ذلك إلا أن ضمن {نتقنا} معنى فعل يمكن أن يعمل في {فوقهم} أي رفعنا بالنتق الجبل فوقهم فيكون كقوله: {ورفعنا فوقهم الطور} والجملة من قوله: {كأنه ظلة} في موضع الحال والمعنى كأنه عليهم ظلّة والظلّة ما أظلّ من سقيفة أو سحاب وينبغي أن يحمل التشبيه على أنه بظلة مخصوصة لأنه إذا كان كلّ ما أظل يسمى ظلة فالجبل فوقهم صار ظلة وإذا صار ظلّة فكيف يشبه بظلة فالمعنى والله أعلم كأنه حالة ارتفاعه عليهم ظلة من الغمام وهي الظلة التي ليست تحتها عمد بل إمساكها بالقدرة الإلهية وإن كانت أجرامًا بخلاف الظلّة الأرضية فإنها لا تكون إلا على عمد فلما دانت هذه الظلمة الأرضية فوقهم بلا عمد شبهت بظلة الغمام التي ليست بلا عمد، وقيل: اعتاد البشر هذه الأجرام الأرضية ظللًا إذ كانت على عمد فلما كان الجبل مرتفعًا على غير عمد قيل: {كأنه ظلة} أي كأنه على عمد وقرئ {طلة} بالطاء من أطل عليه إذ أشرف {وظنوا} هنا باقية على بابها من ترجيح أحد الجائزين، وقال المفسّرون: معناه أيقنوا، وقال الزمخشري: علموا وليس كذلك بل هو غلبة ظن مع بقاء الرّجاء إلا أن قيد ذلك بقيد أن لا يعقلوا التوراة، فإنه يكون بمعنى الإتقان، وتقدّم ذكر سبب رفع الجبل فوقهم في تفسير قوله: {ورفعنا فوقكم الطور} في البقرة فأغنى عن إعادته وقد كرره المفسرون هنا الزمخشري وابن عطية وغيرهما وذكر الزمخشري: هنا عند ذكر السبب أنه لما نشر موسى عليه السلام الألواح وفيها كتاب الله تعالى لم يبقَ شجر ولا جبل ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهوديًّا يقرأ التوراة إلاّ اهتز وأنغض لها رأسه انتهى، وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين فيما رأيت بديار مصر تراهم في المكتب إذا قرأوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم وأما في بلادنا بالأندلس والغرب فلو تحرّك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدّب المكتب وقال له لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة.
{خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}.
قرأ الأعمش {واذكروا} بالتشديد من الإذكار، وقرأ ابن مسعود وتذكروا وقرئ {وتذكروا} بالتشديد بمعنى وتذكّروا وتقدّم تفسير هذه الجمل في البقرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} أي قلعناه من مكانه ورفعناه عليهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي سقيفةٌ وهي كلُّ ما أظلك {وَظَنُّواْ} أي تيقنوا {أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} ساقطٌ عليهم لأن الجبلَ لا يثبُت في الجو لأنهم كانوا يُوعَدون به، وإطلاقُ الظنِّ في الحكاية لعدم وقوعِ متعلَّقِه وذلك أنهم أبَوْا أن يقبلوا أحكامَ التوراة لثقلها فرفع الله تعالى عليهم الطورَ وقيل لهم: إن قبِلتم ما فيها وإلا ليقعَنَّ عليكم {خُذُواْ مَا ءاتيناكم} أي وقلنا أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من الكتاب {بِقُوَّةٍ} بجد وعزيمة على تحمل مشاقِّه وهو حالٌ من الواو {واذكروا مَا فِيهِ} بالعمل ولا تتركوه كالمنسيِّ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بذلك قبائحَ الأعمالِ ورذائلَ الأخلاق أو راجين أن تنتظموا في سلك المتقين. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ}.
عطف على ما قبل بتقدير اذكر والنتق الرفع كما روي عن ابن عباس.
وإليه ذهب ابن الأعرابي، وعن أبي مسلم أنه الجذب، ومنه نتقت الغرب من البئر، وعن أبي عبيدة أنه القلع وما روي عن الحبر أوفق بقوله سبحانه: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور} [النساء: 154] وعلى القولين الأخيرين يضمن معنى الرفع ليتطابق الآيتان، والمراد بالجبل الطور أو جبل غيره وكان فرسخًا في فرسخ كمعسكر القوم فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام لما توقفوا عن أخذ التوراة وقبولها إذ جاءتهم جملة مشتملة على ما يستثقلونه فقلعه من أصله ورفعه عليهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي غمامة أو سقيفة؛ وفسرت بذلك مع أنها كل ما علا وأظل لأجل حرف التشبيه إذ لولاه لم يكن لدخوله وجه و{فَوْقَ} ظرف لنتقنا أو حال من الجبل مخصصة على ما قيل للرفع ببعض جهات العلو، والجملة الاسمية بعد في موضع الحال أيضًا أي مشابها ذلك {وَظَنُّواْ} أي تيقنوا {أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي ساقط عليهم إن لم يقبلوا يوعدون بذلك بهذا الشرط والصادق لا يتخلف ما أخبر به لكن لما لم يكن المفعول واقعًا لعدم شرطه أشبه المظنون الذي قد يتخلف فلهذاسمي ذلك ظنًا.
وقيل: تيقنوا ذلك لأن الجبل لا يثبت في الجو، واعترض بأن عدم ثبوته فيه لا يقتضي التيقن لأنه على جري العادة وأما على خرقها فالثابت الثبوت والواقع عدم الوقوع ويكون ذلك كرفعه فوقهم ووقوفه هناك حتى كان ما كان منهم، والحق أن المتيقن لهم الوقوع إن لم يقبلوا لكونه المعلق عليه، ففي الأثر أن بني إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة فرفع الجبل فوقهم، وقيل: إن قبلتم وإلا ليقعن عليكم فوقع كل منهم ساجدًّا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقًا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديًا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون: هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة وامتثلوا ما أمروا به ولا يقدح في ذلك احتمال الثبوت على خرق العادة كما لا يقدح فيه عدم الوقوع إذا قبلوا، ألا ترى إلى أنه يتيقن احتراق ما وقع في النار مع إمكان عدمه كما في قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وذهب الرماني.
والجبائي إلى أن الظن على بابه، والمراد قوي في نفوسهم أنه واقع، واختاره بعض المحققين، والجملة مستأنفة، وجوز أن تكون معطوفة على نتقنا أو حالًا بتقدير قد كما قال أبو البقاء {خُذُواْ} أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا {مَا ءاتيناكم} من الكتاب {بِقُوَّةٍ} أي بجد وعزم على تحمل مشاقه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالًا من الواو، والمراد خذوا ذلك مجدين {واذكروا مَا فِيهِ} أي اعملوا به ولا تتركوه كالمنسي وهو كناية عن ذلك أو مجاز.
وقرأ ابن مسعود {وتذكروا} وقرئ {واذكروا} بمعنى وتذكروا {قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بذلك قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق أو راجين أن تنتظموا في سلك المتقين.
وجوز أن يراد بما آتيناكم الآية العظيمة أعني نتق الجبل أي خذوا ذلك إن كنتم تطيقونه كقوله تعالى: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: 33] واذكروا ما فيه من القدرة الباهرة والإنذار، وعلى هذا فالمراد من نتق الجبل إظهار العجز لا غير، والكلام نظير قولك لمن يدعي الصرعة والقوة بعد ما غلبته: خذه مني، وحاصله إن كنتم تطلبون آية قاهرة وتقترحونها فخذوا ما آتيناكم إن كنتم تطيقونه، ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر والآثار على خلافه. اهـ.

.قال الشوكاني:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}.
قوله: {وَإِذْ} منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله، أي واسألهم إذ نتقنا الجبل، أي رفعنا الجبل {فَوْقَهُمُ} و{كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي: كأنه لارتفاعه سحابة تظلهم، والظلة: اسم لكل ما أظلّ، وقرئ {طلة} بالطاء من أطلّ عليه إذا أشرف {وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي: ساقط عليهم.
قيل: الظنّ هنا بمعنى العلم.
وقيل: هو على بابه {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} هو على تقدير القول، أي وقلنا لهم خذوا، والقوّة: الجدّ والعزيمة، أي أخذًا كائنًا بقوّة {واذكروا مَا فِيهِ} من الأحكام التي شرعها الله لكم، ولا تنسوه {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} رجاء أن تتقوا ما نهيتهم عنه، وتعملوا بما أمرتم به، وقد تقدّم تفسير ما هنا في البقرة مستوفى، فلا نعده.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل} يقول: رفعناه، وهو قوله: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور} [النساء: 154] فقال: {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} وإلا أرسلته عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، في الآية قال: رفعته الملائكة فوق رؤوسهم، فقيل لهم: {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا سمعنا وأطعنا، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا سمعنا وعصينا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، أيضًا قال: إني لأعلم لم تسجد اليهود على حرف، قال الله: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} قال: لتأخذنّ أمري أو لأرمينكم به، فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم، وكانت سجدة رضيها الله سبحانه فاتخذوها سنة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل} قال: انتزعه الله من أصله، ثم جعله فوق رؤوسهم، ثم قال: لتأخذنّ أمري أو لأرمينكم به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ}.
عاد الكلام إلى العبرة بقصص بني إسرائيل مع موسى عليه السلام، لأن قصة رفع الطور عليهم من أمهات قصصهم، وليست مثل قصة القرية الذين اعتدوا في السبت، ولا مثلَ خبر إيذانهم بمن يسومهم سوء العذاب.
فضمائر الجمع كلها هنا مراد بها بنو إسرائيل الذين كانوا مع موسى، بقرينة المقام.
والجملة معطوفة على الجمل قبلها.
و{إذْ} متعلقة بمحذوف تقديره: واذكر إذ نتقنا الجبل فوقهم.
والنتق: الفصل والقلع.
والجبل الطور.
وهذه آية أظهرها الله لهم تخويفًا لهم، لتكون مُذَكرة لهم، فيعقب ذلك أخذُ العهد عليهم بعزيمة العمل بالتوراة، فكان رفع الطور معجزة لموسى عليه السلام تصديقًا له فيما سيبلغهم عن الله من أخذ أحكام التوراة بعزيمة ومداومة والقصة تقدمت في سورة البقرة (63) عند قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} والظلة السحابة، وجملة: {خذوا ما آتيناكم} مقولة لقول محذوف يدل عليه نظم الكلام، وحذفُ القول في مثله شائع كثير، وتقدم نظيرها في سورة البقرة.
وعُدّي {واقع} بالباء: للدلالة على أنهم كانوا مستقرين في الجبل فهو إذا ارتفع وقع ملابسًا لهم ففتتهم، فهم يرون أعلاه فوقهم وهم في سفحه، وهذا وجه الجمع بين قوله: {فوقهم} وبين باء الملابسة.
وجعل بعض المفسرين الباء بمعنى على.
وجملة: {خُذوا ما آتيناكم بقوة} مقول قول محذوف.
وتقدم تفسير نظيرها في سورة البقرة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}.